خيانة مباغتة - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


خيانة مباغتة
متأمل روحاني - (اسم مستعار. الاسم الحقيقي محفوظ لدى موقع جولاني) – 03\11\2008
جحدل وعبدالرحمن صديقان قديمان، ربطت بينهما علاقة قوية منذ صغرهما، فقد كانا جارين يقطنان في حارة واحدة، ترعرعا سوياً في الحارة وأزقتها، فلم يفوتا أي لعبة كانت متداولة في حينها إلا ولعباها مع أولاد الحارة... وكثيراً ما كان جحدل يقع في صراعات مع أولاد الحارة نتيجة لبنيته الهزيلة التي تلفت نظر المتنمرين والمتهكمين. فكان عبد الرحمن يقف إلى جانبه محاولا نصرته على المتطفلين. ومع مرور الأيام والسنين كبر الصبيان وأتما دراستهما، فاجتمعا كالعادة في إحدى السهرات يتحدثا عن الخطوات المستقبلية. قال عبد الرحمن: كم أرغب في أن أنخرط في القوات المسلحة. لطالما أحببت الزي العسكري والتدريبات الجسدية والاختبارات المعنوية، فإنها تروق لي وأجدها خير محك لمعرفة معادن الرجال. فأجابه جحدل، وهو «يكرع» قنينة الجعة: ما خطبك أنت وهذه الفتونة! أتظن نفسك كفؤ لهذه الحياة الخشنة حقاً، أم لأنك كنت تصد عني بعض المعتدين في صغرنا تجد نفسك مخولا لهذا. إصح يا صاح واتني بالأقداح. قال جحدل هذا وهو يقهقه ويجهز على ما تبقى من القنينة. لما سمع عبد الرحمن هذا الرد من جحدل انقبض وجهه وتغيرت قسماته، فأرجع ما تبقى من المشروب إلى الطاولة كأنما فقد شهيته للسكر. حسناً لا عليك مني الآن، لكن قل لي: ما هو مخططك المستقبلي؟
من أنا؟ مخططي أنا؟ والله لم استقر بعد على أي عمل قد أجيده. لكن من يدري، ربما في يوم من الأيام قد أصبح سياسياً لامعا يعهد إليه الشعب في قراراته المصيرية.
"ولك وين الناره يا ولد؟؟ وهات معك قنينتين بيرة"..
أكمل جحدل قوله عند انتصاف الليل. كان الرفيقان قد هما بالخروج من المقهى قاصدين الحارة، لكن جحدل أحس بوهن في أرجله فلم يقوَ على النهوض. وبحركة تلقائية أسنده عبد الرحمن إلى كتفه، وساعده على السير. هذا السلوك لم يأخذ أي تفكير، فهو محفور في عقل عبد الرحمن الباطني منذ أيام الطفولة. ولما أوصل عبد الرحمن جحدل إلى بيته كان هذا الأخير مخموراً بما يكفي لتاتيه أفكار غاية في السفالة. فقد صادف أن تعرف على أحد الملاكمين الأشداء، الذي يخوض العراك لقاء المال المراهن عليه، وفي أي ركن من أركان الحارة لا يهم، المهم أن ينتصر على غريمه ويفوز بالمال.
كانت فكرة جحدل القذرة بأن يرتب نزال بين عبد الرحمن وهذا الملاكم، بشرط أن يأخذ نسبة من أرباح الملاكم، بناء على ثقته ويقينه من خسارة عبد الرحمن. فهو أقرب المقربين اليه وعلى دراية واطلاع بمواطن الضعف والقوة في شخص صديق. ولطالما اعتبر مساعدة عبد الرحمن له تدخلا بشؤونه، وأحيانا كان يكن له الاحتقار وهو يقول في سريرته: يا له من مغفل. يضن نفسه أفضل مني بهذه العضلات المفتولة! ساريه يوماً ما من هو جحدل القميء.

في صباح اليوم التالي رتب جحدل الأمور مع الملاكم، ثم ذهب إلى بيت عبد الرحمن واستدرجه ليتسكعا في الحارة، ترويحا عن آلام الرأس بعد سهرة أمس، فقصدا الملاكم وجماعته. ولما اقتربا افتعل جحدل مناوشة مع الملاكم، ما لبثت أن تحولت إلى اشتباك بالأيدي، فما كان من عبد الرحمن إلا أن هب للدفاع عن صديقه. في هذه اللحظة ابتعد جحدل عن ساحة العراك، واثقا من نجاح خطته الدنيئة. اشتبك الشابان وأخذا يسددا وابلا من اللكمات لبعضهما، حتى باتت الغلبة للملاكم، وبدا عبد الرحمن يترنح متأثراً بخبرة الملاكم وقوة قبضته، فوقع أرضا. انتشى قلب جحدل الحاقد، وتطاير الشرر من نظراته القريبة من عقله الفاسد المريض، وأخذ يتقاسم المال مع الملاكم وجماعته، وهو يحسب ويعد ما قد جناه من سفاهته.
أثناء ذلك كان عبد الرحمن يلملم نفسه وهو لا يفقه ما جرى، محاولا ربط الأمور ببعضها، لفهم ما يدور حوله. ولما أدرك ما وقع عليه من خديعة، توجه لجحدل وقال له: لماذا فعلت ذلك؟ لماذا تخونني؟ أتحسبني وسيلة لكسب المال؟ ماذا جرى لك يا صاحبي؟ أما زلت متأثرا بشرب الكحول؟
فرد عليه جحدل متباهيا بلؤمه: هل عرفت من هو الأفضل الآن يا صاحبي؟
ماذا تقصد بقولك هذا؟ إلى ماذا ترمي؟ فأنا لا أنا فسك، بل أساعدك. ألا تعطي اعتباراً لأيامنا الخوالي ولطفولتنا، لا بل لسهرة أمس بالتحديد؟ لقد ساعدتك على الخروج من المقهى وأنت ثمل، ألا تذكر؟ أم أن هذه الفترة كلها كنت فيها لا تريد لي ما أضمره لك من صداقة. لقد باغتتني بهذه الخيانة أيها الصعلوك.. ولماذا الأفكار المريضة تجول في كيانك الهزيل أيها النكرة؟ انطلاقا من كراهيتي للظلم والاستصغار كنت أدافع عنك في ما مضى، أما الآن فجراح قلبي لن تلتئم حتى يضحى الشيطان ملاكاً .